خبراء ألمان: “فيروس القمع” وانهيار سعر النفط يعصفان بالجزائر

تكتب نهار 7 مايو، 2020 مع 18:52 المغرب الكبير تابعونا على Scoop

اهتمت الصحافة الألمانية بالجزائر في الأسابيع الماضية من زاويتين: الأولى استغلال الحجر الصحي لشن حملة اعتقالات واسعة ضد رموز الحراك الشعبي. والثانية انهيار أسواق النفط العالمية وتداعياتها الكارثية على اقتصاد البلاد.

“ديرشبيغل” ترسم آفاقا “كارثية” للاقتصاد الجزائري

في تحليل مُوسع، نُشر يوم الأحد 28 أبريل 2020، قسًم شتيفان شولتز، محرر الشؤون الاقتصادية في صحيفة “ديرشبيغل” الدول المنتجة للنفط إلى أربع فئات، حسب قدرتها على احتواء انهيار أسعار الذهب الأسود.

ووضع في المجموعة الأولى دولا وصفها بـ”القوية” لقدرتها على مقاومة التداعيات بفضل اقتصادها المتنوع أو صناديقها السيادية منها (الولايات المتحدة، كندا، النرويج والبرازيل). ومجموعة ثانية تملك “شبكة وقائية”، ستتضرر من الأزمة، لكنها لن تدفع ثمنا اجتماعيا مرتفعا كالإمارات والكويت.

ووضع شولتز روسيا وأيضا السعودية ضمن هذه المجموعة رغم أن الأخيرة ستعاني أكثر من جيرانها الأغنياء. أما المجموعة الثالثة فهي ما اسماه الدول “المعرضة للخطر” وتشمل نيجيريا، وإيران، وأنغولا، وعُمان والإكوادور. ولكل دول هذه الفئة اعتباراتها السياسية والاقتصادية التي تجعلها في مهب ريح تقلبات أسواق النفط، ما سيضعها أمام معضلات تهدد استقرارها السياسي والاجتماعي.

المجموعة الرابعة ووصفها شولتز بفئة الدول ذات “الوضع الكارثي” وتتضمن (الجزائر، وليبيا، وفنزويلا، والعراق وسوريا).

الكاتب أكد في تحليله أن “الحكومة الجزائرية المثيرة للجدل” اعتادت الاعتماد على شراء السلم الاجتماعي بتمويل ودعم برامج اجتماعية باهظة الثمن بفضل إيرادات البترول. وأضاف أن هذه الإيرادات لم تكن كافية، حتى قبل الأزمة الحالية، لتمويل عجز الميزانية. “غير أن انهيار الأسعار هذه المرة يشكل خطورة بالغة” حسب شولتز، في وقت تنتظر فيه الحكومة الجزائرية عجزا قياسيا في الميزانية بحوالي 20 بالمائة خلال العام الجاري. فيما يتوقع الخبراء أن تنفذ احتياطات البلاد من العملة الصعبة بنسبة 90 بالمائة مع نهاية العام الجاري. وهي احتياطات تقلصت إلى 62 مليار دولار في نهاية ديسمبر 2019.

وتوقعت وكالة بلومبرغ الأمريكية تآكلها السريع وتراجعها إلى حوالي 13 مليار دولار نهاية 2020.

“فيروس القمع” يكمم أفواه الحراك

في الأسابيع الماضية ظهرت عدة تقارير وتحليلات في الصحافة الألمانية تتساءل عن مصير الحراك الشعبي في الجزائر في زمن جائحة كورونا.

وتحت عنوان “فيروس القمع” كتب كريستيان روسلر، مراسل صحيفة “زودويتشه تسايتنوغ” لشؤون شبه الجزيرة الإيبيرية والمغرب الكبير، يوم 21 أبريل 2020، مقالا أكد فيه أن “النظام الجزائري يستخدم جائحة كورونا لقمع الحراك الشعبي، واضطهاد الصحافيين النقديين، فيما تتنامى مشاعر السخط في مختلف مناطق البلاد”.

وأوضح روسلر أنه بعد أكثر من عام على المظاهرات الشعبية الأسبوعية تبدو شوارع العاصمة الجزائرية فارغة هذه الأيام. فقد نجح “الحراك” في إجبار الرئيس عبد العزيز بوتفليقة على الانسحاب من السلطة.

وأضاف أنه “لم تبق الكثير من الوجوه القديمة للنظام. لكن فيروس كورونا المستجد أجبر المتظاهرين على التوقف عن النزول إلى الشوارع كل يوم جمعة وهم يدعون إلى نظام ديمقراطي حقيقي في بلادهم. وتوارى شباب الحراك إلى عالم الإنترنت الافتراضي، بعد ما سحب منهم كوفيد ـ19 أكثر أدواتهم فعالية للضغط على الرئيس الجديد عبد المجيد تبون”.

ونشرت مجموعة التفكير (تينك تانك) “مينا ووتش” ومقرها فيينا، وهي متخصصة في شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تحليلا لإليزا فولكمان تحت عنوان “الحراك الجزائري يعاني أيضا من كورنا” واستندت فيه لأقوال عدد من نشطاء المواقع الاجتماعية الذين أكدوا مواصلة نضالهم في العالم الافتراضي بنفس القوة والالتزام.

اعتقالات بالجملة وتضييق على حرية التعبير

ودعت منظمة العفو الدولية، يوم 27 أبريل 2020، السلطات الجزائرية إلى وقف عاجل لـ “الملاحقات القضائية التعسفية الهادفة إلى إسكات أصواتنشطاء وصحفيي الحراك، في خضم تفشي وباء فيروس كوفيد-19”.

ودعت المنظمة إلى الإفراج فوراً عن كل من تستهدفهم هذه المحاكمات الصورية. وأكدت هذه المنظمة الحقوقية أن ما بين 7 مارس و13 أبريل فقط، تم استدعاء ما لا يقل عن 20 ناشطًا للاستجواب من قبل الشرطة، أو تم القبض عليهم، وتوقيفهم احتياطياً، أو حكم عليهم بتهم نابعة من ممارستهم لحقهم في حرية التعبير، أو التجمع السلمي، في ست مدن في الجزائر.

وقالت هبة مرايف، مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة: “في الوقت الذي تنصب فيه الأنظار الوطنية والدولية على معالجة تفشي وباء فيروس كوفيد-19، تستثمر السلطات الجزائرية الوقت في تسريع الملاحقات القضائية والمحاكمات ضد النشطاء والصحفيين وأنصار الحراك”.

ومن بين أهم رموز الحراك الشعبي الذين تم اعتقالهم، كريم طابو الذي أوقف يوم 24 مارس 2020، وهو رئيس حزب سياسي معارض “الاتحاد الديمقراطي الاجتماعي” (UDS) وحكمت عليه المحكمة بالسجن لمدة عام اعتمادا على مقاطع فيديو منشورة على فيسبوك، وقد انتقد فيها دور الجيش في الحراك.

كما اتهم طابو بـ”المساس بسلامة وحدة البلاد”، وهي تهمة قد تصل عقوبتها للسجن عشر سنوات.

وفي السادس من أبريل، حُكم على عبد الوهاب الفرساوي، رئيس الجمعية الوطنية للشباب (RAJ)، بالسجن لمدة عام ودفع غرامة للمشاركة في احتجاجات الحراك. وقد انتقد الطريقة التي تعاملت بها السلطات مع حركة الاحتجاجات، في العديد من مواقع التواصل الاجتماعي.

وفي التاسع من أبريل، أُدين الناشط الحقوقي إبراهيم داواجي، بالسجن ستة أشهر، بسبب فيديو بثه على الإنترنت، انتقد فيه ظروف احتجازه بعد أن حُبس احتياطياً لمدة ثلاثة أشهر بين نوفمبر 2019 ويناير 2020.

مضايقة الإعلام ـ عوامل الانفجار الثلاثة

صحيفة “يونغه فيلت” الألمانية اليسارية نشرت، يوم التاسع من أبريل 2020، مقالا لسفيان فليب ناصر تحت عنون “الجزائر على الحافة”، حلل فيه تظافر ثلاثة عوامل (جائحة كورونا، انهيار أسعار النفط والاختناق السياسي) كخليط متفجر يهدد استقرار الجزائر.

وفي هذا السياق دق الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس جرس الإنذار بشأن دول لم يحددها بالاسم حين قال “لن يكون مقبولا” أن تستغل دول وباء كوفيد-19 لتقليص الحقوق الإنسانية. وأضاف “في سياق تنامي القومية العرقية والشعبوية والاستبداد وتراجع حقوق الإنسان في بعض البلدان، قد توفر الأزمة ذريعة لاعتماد تدابير قمعية من أجل غايات لا علاقة لها بالوباء”. واضاف أن ذلك “غير مقبول”.

آلة القمع استهدفت بشكل خاص الصحفيين المنتقدين، وأحيانا لمجرد ممارستهم لمهنتهم، ففي 27 مارس 2020، تم اعتقال الصحافي البارز خالد درارني بسبب تغطيته للحراك بتهمة “المساس بوحدة البلاد”.

وفي 15 أبريل 2020، أكدت السلطات الجزائرية حظرها لاثنين من المنابر الإعلامية المستقلة، “ماغريب إيميرجان” و”راديو إم بوست”، بانتظار اتخاذ “إجراءات المتابعة القضائية” ضد مديرها، إحسان القاضي بسبب “القذف والذم” ضد الرئيس عبد المجيد تبون.

وسبب هذا الاعتقال هو مقال كتبه إحسان في، الخامس من أبريل 2020، بمناسبة مرور مائة يوم على وصول تبون لقصر المرادية (مقر الرئاسة الجزائرية). مقال قيل إنه أغاظ النظام بشكل كبير.

واعتبر إحسان أن تبون جاء بتعليمات من الجيش الذي سعى لإعادة “لباس مدني” للسلطة. وأكد أن تبون ليس الرجل المناسب في المنصب المناسب، في وقت تواجه فيه الجزائر تحديات وجودية غير مسبوقة.

تغيير كل شيء حتى لا يتغير أي شيء!

للوهلة الأولى تبدو آليات عمل النظام الجزائري غامضة ومستعصية على فهم المراقبين الأجانب. فالحراك الشعبي الذي أسفر عن إبعاد بوتفليقة وحاشيته، لم يحقق في نهاية المطاف مطلبه الرئيسي بتأسيس دولة ديموقراطية يسودها الحق والقانون.

إن سلطة القرار تتبع في الجزائر منطقا متحركا ينبع من مراكز متعددة، تتغير قوة نفوذها حسب المراحل التاريخية. ويتعلق الأمر بهيئة أركان الجيش والمخابرات الداخلية (الشرطة السياسية) ثم رئاسة الجمهورية، الواجهة المدنية لتدبير مؤسسات الدولة. وعادة ما يستعمل الجزائريون كلمة فرنسية ، “le Pouvoir”، ويعنون بها  القوة أو”السلطة الحقيقية” لتوصيف الدوائر الفعلية لصنع القرار.

وجرت التقاليد ألا تظهر هذه الدوائر في العلن. وإذا كانت أنظمة سياسية كثيرة تقوم على كشف وإظهار بل والتغني بمالك القرار، فإن النظام السياسي الجزائري يعتمد عكس ذلك آليات التكتم والسرية.

“يجب تغيير كل شيء حتى لا يتغير أي شيء”، هذه العبارة الشهيرة من فيلم “إلغاتوباردو” (الفهد) لمخرجه الإيطالي لوتشينو فيسكونتي عام 1963، والمقتبس من رواية تحمل نفس الاسم للكاتب الصقلي لامبيدوزا، تنطبق لدرجة الكمال على آليات التجديد الذاتي التي يعتمدها النظام الجزائري لضمان بقائه مهما كان الثمن. وبالتالي فإن الكثير من التغييرات التي تحدث، تقع داخل مربعات الحكم ولا تمس أركان النظام ذاته.

فقد شهدت قيادة الأركان، كما المخابرات الداخلية تقلبات غير مسبوقة، بعض الجنرالات وضعوا في السجن، فيما يحاكم آخرون في حركة اعتقالات وإقالات مثيرة، كان آخرها إقالة العميد بوعزة واسيني كمدير للأمن الداخلي (المخابرات الداخلية) وهو الذي كان اليد اليمنى لقائد أركان الجيش السابق، الفريق أحمد قايد صالح.

الجيش نفى بشكل عام في بيان ما نشرته صحف جزائرية حول حملة اعتقالات طالت جنرالات كبار، لكن دون ذكر أسماء المعنيين، ما جعل بعض المراقبين يشككون في ذلك البيان.