كومينة: الاقتصاد الوطني يحتاج خطة محكمة لتجاوز أثار “صدمة” كورونا

تكتب نهار 23 يونيو، 2020 مع 12:52 اقتصاد تابعونا على Scoop

يتطلب الاقتصاد الوطني في هذه المرحلة خطة محكمة لتجاوز أثار التوقف الناتج عن الطوارئ الصحية داخليا وإغلاق الحدود وتراجع المبادلات خارجيا في الشهور الماضية من جهة والمشاكل التي ستنتج عن تراجع النمو العالمي والطلب الخارجي الموجه للمنتجات والخدمات المغربية، وعن حالة اللايقين التي ستؤثر لامحالة على سلوك مختلف الفاعلين الاقتصاديين والمستهلكين على حد سواء من جهة ثانية.

وإذا كان مطلوبا ترتيب دقيق للأولويات على المدى القريب وتحديد للإصلاحات الهيكلية الضرورية على المدى المتوسط كي تكون هذه الخطة محكمة وفعالة وناجعة ومولدة لنتائج قابلة للقياس، فانه مطلوب في نفس الوقت ان تحسب كلفتها بدقة وتحديد نموذج تمويلها، فالوقت ليس مناسبا للأكلات البائتة والروتين والتوقعات التي تصبح متقادمة فور صدورها، والوقت ليس مناسبا ايضا للتحجر الايديولوجي او الحسابات المصالحية الضيقة وإلا كان الاصطدام بالحائط ..

وتكتسي مسالة تمويل خطة إعادة انطلاق الاقتصاد، المفروض أن تربط بين الانطلاق والتجديد بالنظر إلى أن جزءا مما توقف لن يكون ممكنا إحياؤه ولو صبت فيه اموال ضخمة لأنه فاشل أصلا، تكتسي اهمية كبرى، بله إنها محددة، وتستدعي، وعلى عكس ما يروجه اقتصاديون ولوبيات مصالح، قرارات سياسية.

لقد قرر مجلس بنك المغرب، الهيئة التقريرية لبنكنا المركزي، في اجتماعه الأخير تخفيض معدل الفائدة المديري بنصف نقطة ليصل إلى 1,5% وايصال الاحتياطي الإجباري للابناك الى الصفر، وذلك بهدف تخفيض كلفة القروض للاقتصاد والأسر، في حال مااذا قامت الابناك بتفعيله لفائدتهم على المدى القصير ولم تقتصر على تفعيله فيما بينها وحسب، ولتوفير سيولة بنكية اضافية، كما قرر المجلس الاستمرار في تفعيل بعض الممارسات غير المعتادة non conventionnelle الكفيلة بتوفير المزيد من السيولة او مواجهة نقصها بالاحرى (شراء سندات الخزينة، والمقاولات الصغرى والمتوسطة والاصغر، وطلبات العروض لمدد تتجاوز 7 ايام ….الخ).

وهو ما اعتبر ايجابيا من طرف الكثيرين نظرا لمعرفتهم بنهج والي بنك المغرب عبد اللطيف الجواهري الذي يظل مرتبطا بهدف استهداف التضخم، رغم أن كل شئ يشير إلى ان التضخم الضمني l’inflation sous jacente يتجه نحو أن يصير سالبا، وبالتالي محبطا للاقتصاد، وبما يراه حماية للنظام البنكي.

والبين أن السياسة النقدية المرنة نسبيا accommodante اذا كانت، وكما ظهر من التجربة السابقة على وباء كوفيد، قد ساهمت في التخفيف من نقص السيولة البنكية وتوزيع قروض على من يتوفرون على ضمانات أكيدة، وعلى رأسها عقارات، فانها لم تدفع بالابناك الى تمويل الاقتصاد على النحو المطلوب وبفوائد تأخذ بعين الاعتبار التخفيضات المتوالية لمعدل الفائدة المديري ولا حتى مذكرة البنك المركزي بشان الخدمات المجانية، التي تم اختلاق غيرها، وبرز خلال ذلك ميل إلى القبض على السيولة attrape liquidité وتوظيفها في السوق النقدية التي تراها الابناك امنة ولا تنتج عنها أي مخاطرة من شانها التأثير على نتائجها وأرباحها، وهذا ما قد يتكرر ويستمر في الظروف الحالية بحدة اكبر.

إن خلاصة ما سبق يمكن تلخيصها في كون السياسة النقذية، التي تتميز بمرونة اكبر متى تم تحريرها من دوغمائية النقذوية المتجاوزة دوليا، وبالأخص مند ازمة 2008، ليس من شانها ان تأتي بحلول للمشكلة العاجلة والضاغطة المتمثلة حاليا في تمويل خطة محكمة لإعادة الانطلاقة للاقتصاد والشروع في عدد من التغييرات الهيكلية التي تفتحه على المستقبل وترفع من قدرته التنافسية وتجعله محدثا لمناصب الشغل المدرة لدخل كريم. إلا إذا تم انهاء دوغمائية أخرى تحكم تلك السياسة في العشرين سنة الماضية والمتمثلة في منع بنك المغرب من تمويل الخزينة من جهة وجعل الخزينة تحصل على التمويل من السوق بنفس الشروط التي يقترض بها الفاعلون الخواص من جهة ثانية.

وقد عبر والي بنك المغرب بعد الاجتماع المنعقد في الأسبوع الفارط لمجلس هذا الأخير عن رفضه التام لعودة البنك المركزي لتمويل الخزينة، وتعبيره عن هذا الرفض لم يات ردا على راي داخلي وانما استباقا له، بعدما اتجهت الابناك المركزية في العالم الى اتباع سياسات نقذية غير اعتيادية لمواجهة الازمة الاقتصادية والاجتماعية الحالية بتناغم مع السياسات الميزانية، في اطر مقاربة نيو كينزية، واتجهت تلك التي تتصرف باستقلالية كالبنك المركزي البريطاني الى منح قروض مباشرة للخزينة لتمكينها من مواجهة التحملات الضخمة التي تترتب عن قرارات الحكومة، ومنها تحمل 80% من الأجور في المقاولات والمؤسسات المتوقفة. وقد حدث هذا في بلد توجد فيه سوق مالية كبرى ومؤسسات تتوفر على ادخارات ضخمة.

والسؤال الذي يبقى مطروحا على والي بنك المغرب هو اذا كانت السيولة المتوفرة لدى الابناك غير كافية لشراء سندات الخزينة ولتوزيع القروض على المقاولات والأفراد، هل نغلب الايديولوجيا والعناد على الاعتبارات المتعلقة بمصالح البلاد في هذه المرحلة؟ فالظاهر آن ميزانية الدولة مدعوة لإتباع نهج توسعي مما يمكن أن يجعل العجز الاجمالي يناهز 60 الى 100مليار درهم، بحسب سيناريوهين، وليس ممكنا فيما يبدو تمويل هذا المستوى من العجز باللجوء الى الاقتراض الخارجي او الداخلي مما قد يعرقل كل شيء ويدخل في متاهات بلا مخرج.

ولذلك فالتقني اليوم يجب أن يخضع للسياسي ويجب ان يراجع قانون بنك المغرب كي يصبح ممكنا له تقديم تسبيقات قابلة للإرجاع وفق اتفاق وان يتم التعامل مع استقلالية البنك المركزي بالنسبية التي يتم بها التعامل في العالم.

فالابناك المركزية مؤسسات دولة أضفى عليها طابع مؤسسة محافظة، كما اسماها رئيس اقتصاديي صندوق النقذ الأسبق روكوف، لكنها ليست دولة وحدها.

وفي ظرف تنشا فيه براديغمات جديدة لابد من التحرر من الدوغمائيات، وهذا لايعني اي دعوة للتهور او التصرف خارج حسابات مضبوطة حتى في ظل حالة الغموض واللايقين التي تجعل مثلا كل توقعات بنك المغرب حاليا اشبه بالتخمينات أن نقل إنها أشبه بلعبة “اللوطو”…