كيفاش تيفهمو التريتورات ديال النضال حرية التعبير

تكتب نهار 15 يناير، 2020 مع 15:11 مجتمع تابعونا على Scoop

في خضم النقاش الدائر حول حرية التعبير والفرق بينها وبين الفوضى، والممارسات الخارقة للقانون والماسة بحقوق الأشخاص الذاتيين والمعنويين، ارتفعت بعض الأصوات النشاز التي تريد خلط الأوراق والقفز وخلق الفوضى من خلال الضرب في المؤسسات ودعم أشخاص يمارسون القذف والسب وكل أشكال الاعتداءات على المواطنين باسم ما يعتبرونها حرية تعبير..

وبالإضافة إلى بعض الأشخاص، الذين ألفوا السباحة في الماء العكر، وأصبحوا “تريتورات” ينتقلون عبر العواصم العالمية لتقديم خدماتهم البئيسة لاعداء المغرب مقابل تعويضات مادية، نشر موقع اليوم24، لصاحبه توفيق بوعشرين، مقالا اليوم الأربعاء تحت عنوان مثير ومغرض :” نقطة نظام.. عفوا عبد النباوي”، عبارة عن هجوم على رئيس النيابة العامة، لا لشيء سوى أن السيد عبد النباوي قال إن تعليمات هذه المؤسسة الصادرة من الرؤساء للمرؤوسين، تعد بمثابة قانون، لأنها مشروطة باحترام القانون وبصدورها كتابيا.

أيتام بوعشرين، الذي يقبع في السجن بتهم التحرش الجنسي والاغتصاب والاتجار بالبشر، لم يُعجبهم ما يعرفه المغرب حاليا من تطبيق للقانون ضد بعض المدونين، و”اليوتبرز”، من أمثال “مول الكاسكيطة” و”مول الحانوت” وأشباههم، ممن يستغلون الشبكات الاجتماعية لنشر تفاهاتهم ومحتويات كلها سب وشتم وضرب في أعراض الناس، فضلا عن مساسها بالمؤسسات الدستورية ومقدسات البلاد، تحت ما يدعونه حرية تعبير، وذلك في تناقض تام عن مفهوم “الحرية” سواء في الدستور المغربي أو في قوانين الدول الديمقراطية والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، التي تنص كلها على احترام حرية التعبير ما لم تمس بحقوق الأشخاص أو التطاول عليهم والمس بالنظام العام..

ولأن السيد عبد النباوي رئيس النيابة العامة، قال عن حق، إن وكلاء الملك لا يقومون سوى بتطبيق القانون، فإن مسؤولي اليوم24، ومن يقف وراءهم، هاجموه، مدعين أن ما يقع في المغرب لا علاقة له بالقانون ونصوصه، وأنه ادعاء لا يسنده لا الواقع وما يتضمنه محتويات التدوينات والأشرطة والتعليقات التي ينشرها الموقوفون، ولا القوانين الوطنية والدولية التي تجرم مثل هذه الأفعال والأقوال.

ولتنوير أيتام بوعشرين وباقي المتهجمين على المؤسسات الدستورية بالمغرب، نحيلهم على ما تم مؤخرا، وهو مثال من آلاف الأمثلة، ويتعلق الأمر باعتقال النجم خواكين فينيكس، الحاصل على جائزة غولدن غلوب عن فيلم الجوكر، ضمن مشاهير جرى اعتقالهم خلال الاحتجاجات ضد التغيرات المناخية في العاصمة الأمريكية واشنطن.

هذا الاعتقال، الذي وقع بأمريكا التي تعتبر من أكثر البلدان احتراما للديمقراطية، لم يعتبره الأمريكيون اعتداء ولا خرقا للقانون، كما لم يستغله بعض هواة النضال كما يقع عندنا في المغرب، لرفع عرائض تضامنية واحتجاجية إلى الأمم المتحدة أو منظمات دولية للتدخل قصد دعمها وتشويه صورة أوطانهم أو ممارسة الابتزاز لتحقيق بعض الأهداف الشخصية..

إن القانون يعلو ولا يعلى عليه، وكل من تبث في حقه ارتكاب أي فعل أو ممارسة تدخل في إطار الأفعال التي يجرمها القانون الجنائي، عليه أن يعاقب طبقا لمقتضيات هذا القانون، لا فرق في ذلك بين المواطنين سواء كانوا مدوّنين او صحافيين أو محامين..لأن الأمر يتعلق بممارسات منافية للحرية التي تعتبر من أسس ومبادئ دولة الحق والقانون..

إن ما يمارسه البعض عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لا يمكن بحال من الأحوال أن يدخل في إطار حرية التعبير ولا في إطار حقوق الإنسان المنصوص عليها في المواثيق الدولية، لأن هذه الأخيرة تؤطر هذا الحق وتحده بشرط عدم الاعتداء على حرية الآخرين وعلى حياتهم الشخصية وكذا تهديد النظام العام..

ولهؤلاء نقول بأن حرية التعبير ليست مطلقة، كما يعتقدون خطأ، وما عليهم سوى الإطلاع على الصكوك والشرائع الدولية التي صادق عليها المغرب، وكذا النصوص القانونية المغربية، ليكتشفوا أن ما يدعون ليس إلا وهم لا يمت بصلة بالوثيقة الدستورية للمملكة، التي تنص صراحة في الفصل 28 على أن “للجميع الحق في التعبير، ونشر الأخبار والأفكار والآراء، بكل حرية، ومن غير قيد، عدا ما ينص عليه القانون صراحة”، من مقتضيات تشريعية تحدد جرائم القول والمحتوى المسيء، من قبيل الإشادة بالإرهاب، والتبليغ عن جرائم يعلم بعدم حدوثها، والقذف والإهانة، وإفشاء السر المهني، وكذا الجرائم المنصوص عليها وعلى عقوبتها في المادة 179 من القانون الجنائي المغربي بشأن الإخلال بواجب التوقير والاحترام لشخص الملك

وبخصوص الاتفاقيات والمواثيق الدولية، التي يتبجح بها هؤلاء المنتقدون، فيمكن الرجوع في هذا الصدد إلى أحكام بعض النصوص الدولية التي تعري ادعاءاتهم ومزايداتهم على المغرب ومؤسساته، وضمنها المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي أقرت حرية التعبير كحق عام مشفوع بتقييدات قانونية، إذ نصت على في فقرتها الأولى على أن “لكل إنسان حق في اعتناق آراء دون مضايقة” وفي القرة الثانية على أن “لكل إنسان حق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأي وسيلة أخرى يختارها”، إلا أن الفقرة الثالثة تضيف انه “تستتبع ممارسة الحقوق المنصوص عليها في الفقرة الثانية من هذه المادة واجبات ومسؤوليات خاصة. وعلى ذلك، يجوز إخضاعها لبعض القيود، ولكن شريطة أن تكون محددة بنص القانون وأن تكون ضرورية (أ) لاحترام حقوق الآخرين وسمعتهم؛ (ب) لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة والآداب العامة”.

أما المادة العاشرة من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، التي يوردها ممتهنو النضال دون تمحيص، فقد عددت القيود الواردة على صور حرية التعبير في فقرتها الثانية من خلال التنصيص على أن “هذه الحريات تتضمن واجبات ومسؤوليات. لذا يجوز إخضاعها لشكليات إجرائية، وشروط، وقيود، وعقوبات محددة في القانون حسبما تقتضيه الضرورة في مجتمع ديمقراطي، لصالح الأمن القومي، وسلامة الأراضي، وأمن الجماهير وحفظ النظام ومنع الجريمة، وحماية الصحة والآداب، واحترام حقوق الآخرين، ومنع إفشاء الأسرار، أو تدعيم السلطة وحياد القضاء”.

ويتضح من خلال هذه النصوص، التي يعتد بها أشباه المناضلين و”تريتورات” حقوق الإنسان بالمغرب دون تمحيصها والإحاطة بمقتضياتها كاملة، أن القذف في حق قاضي والتحريض على العنف ضده يدخل في أحكام الفقرة الثالثة من الفصل 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية التي تستثني من حرية التعبير ضرورة احترام حقوق الآخرين وسمعتهم، كما أن الإساءة لشخص الملك تدخل ضمن مقتضيات القانون الجنائي المغربي، وفي إطار التقييدات التي حددها الدستور المغربي ومقتضيات الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان