دماء على جبال الألب.. مفتاح العلماء لفهم تأثيرات تغير المناخ

تكتب نهار 28 يونيو، 2021 مع 11:45 ثقافة وفن تابعونا على Scoop

على قمة جبال الألب الفرنسية، وعلى ارتفاع آلاف الأقدام فوق مستوى سطح البحر، يظهر الثلج الأبيض الطبيعي أحيانا ملطخا ببقع من الدم الأحمر الداكن التي يمكن أن تمتد على مساحات شاسعة تبلغ أميالا عدة، تعرف باسم “الدم الجليدي”.

لم تكن بقع الدم ذات المنظر المخيف نتيجة لمذابح وقعت في الجبال الجليدية، وإنما هي نتيجة إزهار نوع معين من الطحالب الدقيقة يبلغ حجمها جزءا من الألف من المليمتر، ويمكن أن توجد ككائنات منفردة وحيدة الخلية أو كمستعمرات.

مشروع AlpAlga يرمي إلى دراسة الطحالب الدقيقة في الجبال (جين غابرييل فالاي-مواقع التواصل)

طحالب اليخضورات

ونظرا إلى أن الطحالب التي تعيش في البيئات الأرضية لم تدرس دراسة وافية كنظيرتها التي تعيش في البيئات المائية، فقد أطلقت جامعات ومراكز بحثية فرنسية “مشروع ألب ألغا” (AlpAlga) الذي يرمي إلى دراسة الطحالب الدقيقة التي تعيش في الجبال على ارتفاع ألف متر إلى 3 آلاف متر فوق مستوى سطح البحر.

وقد عرض الباحثون نتائج عملهم في دراسة نشرت بتاريخ السابع من يونيو/حزيران الجاري في دورية “فرونتيرز إن بلانت ساينس” (Frontiers in Plant Science)، استعرضوا فيها انتشار أنواع الطحالب الدقيقة في 5 مواقع مختلفة في جبال الألب الفرنسية، تغطي ارتفاعات تراوح بين 1250 إلى 2940 مترا فوق مستوى سطح البحر.

تنتمي الطحالب المسؤولة عن تحويل لون الثلج الأبيض إلى الأحمر إلى فصيلة “اليخضورات” (Chlorophyta) وتحتوي على الكلوروفيل، وهو الصباغ الأخضر الذي يقوم بدور أساسي في عملية التركيب الضوئي الذي تنتج من خلاله السكريات، وتحتوي على الكاروتينات أيضا، وهي الصبغات البرتقالية والحمراء نفسها التي تظهر في الخضراوات مثل الجزر.

وتعمل الكاروتينات كمضادات للأكسدة، ومن المحتمل أنها تسهم بحماية الطحالب من الآثار الضارة للضوء الشديد والأشعة فوق البنفسجية الموجودة على ارتفاعات عالية. وعندما تتكاثر بسرعة وبكميات كبيرة يظهر الثلج في منطقتها باللون الأحمر أو البرتقالي بسبب الكاروتينات لتتشكل بعد ذلك بقع الدم الجليدي الحمراء المخيفة.

تنتمي الطحالب المسؤولة عن تحويل لون الثلج الأبيض إلى الأحمر إلى فصيلة اليخضورات (جين غابرييل فالاي – مواقع التواصل)

لكل ارتفاع نوع من اليخضورات

وللتوصل إلى نتائج الدراسة، جمعت العينات المدروسة في أواخر صيف 2016 عقب ذوبان الثلوج الموسمية طوال العام.

ونظرا إلى تخصص عدد من أعضاء الفريق في استخراج الحمض النووي من العناصر البيئية، فقد تمكنوا من اكتشاف المواد الجينية المتبقية من الخلايا الطحلبية الميتة تلك التي عاشت سابقا في كل منطقة من المناطق الخمس المدروسة.

وقد تبين أن الطحالب من جنس “سانغوينا” (Sanguina) قد ظهرت على ارتفاعات تساوي أو تزيد على ألفي متر فوق مستوى سطح البحر فقط، في حين ظهرت الطحالب من جنس “ديزميكوكس” (Desmococcus) و”سيمبيوكلوريس” (Symbiochloris) في المناطق ذات الارتفاعات المنخفضة فقط التي لا تزيد على 1500 متر.

التغير المناخي والدم الجليدي

ومثلما يتسبب التلوث الغني بالمغذيات في تكاثر الطحالب في المحيط، فإن المغذيات التي تصل إلى قمة الجبل مع الرياح والأمطار تعمل على تحفيز تكاثر الطحالب في جبال الألب وتمدّها بالغذاء اللازم.

كذلك يحفز ارتفاع مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي نمو الطحالب الجبلية، إلا أنه يؤثر سلبا في الجبال الجليدية.

وقد أشارت دراسة نشرت في دورية “نيتشر كوميونيكيشنز” (Nature Communications) عام 2016 إلى أن الثلج الأحمر يذوب ذوبانا أسرع بكثير من الثلج الأبيض لأنه يعكس الضوء بصورة أقل فاعلية من الثلج الأبيض.

ووفقا للتقرير المنشور على موقع “لايف ساينس” (Live Science) يخطط الفريق لإلقاء نظرة ثاقبة على كيفية تغير النظام البيئي لجبال الألب مع ارتفاع درجة حرارة المناخ وتأثير ذلك في دورة حياة الطحالب، والبحث في آلية تأثير إزهار الطحالب في ذوبان الجليد والانحسار الكبير للأنهار الجليدية.

ويعمل الفريق على تأسيس موقع لأبحاث طويلة الأمد تمكنهم من تتبع تكاثر الطحالب خلال المواسم المتغيرة.