صرخة كفيف يرفض المقاربة الإحسانية +فيديو

تكتب نهار 18 ديسمبر، 2020 مع 18:38 مجتمع تابعونا على Scoop

يواصل يحيى بولمان، إبن قرية مروتشة التابعة لدائرة تنجداد باقليم الرشيدية، اعتصامه أمام مقريْ كل من جهة درعة تافيلالت وولايتها، وذلك للمطالبه بتحسين أوضاعه الاجتماعية من خلال منحه كشكا يؤمن له لقمة عيش بعيدا عن المقاربة الإحسانية..

 ويطالب يحيى، وهو كفيف منذ الولادة، بتمكينه من الاستفادة من كشك بمجال الإقليم أو بالجماعة التي يقطن بها، وبطاقة الانعاش الوطني أو تمويل مشروع ذاتي في إطار صندوق التماسك الإجتماعي الذي تقدم بطلب بشأنه منذ 2015…

كما سبق ليحيى ان تقدم بطلب للإستفاذة من مأذونية للنقل منذ 2003، وارسل طلبات لمقابلة المسؤولين بولاية درعة تافيلالت دون جدوى..

وينتظر يحيى، تدخل السلطات المعنية ومنتخبي الجهة ومجلسها من أجل إنقاذه من الضياع، وفقدان ما تبقى لديه من أمل في العيش بكرامة بعيدا عن المقاربة الاحسانية، لأنه يريد كما جاء في تصريحه ان يعيش بكرامة وان يكون مواطنا منتجا يساهم في تنمية البلاد رافضا ان ينظر إليه كمواطن من الدرجة الثانية بسبب إعاقته البصرية..

ولد يحيى بولمان سنة 1985 بقصر مروتشة،  إحدى قرى المغرب العميق بدائرة تنجداد اقليم الرشيدية، من أسرة فقيرة كأغلب اسر المنطقة التي تعيش اسرها على شظف العيش. ونشأ في وسط تسود فيه الأمية والفقر، حيث كانت العديد من الأسر في تلك الحقبة تمنع ابناءها من ذوي الإعاقة من الخروج خشية من نظرات المجتمع .

طفولة بطعم الإعاقة والحرمان

يتذكر يحيى بكثير من الحسرة والحزن هذه المرحلة، ويحكي أنه عندما بلغ سن التمدرس وتقدم افراد اسرته لتسجيله قصد الالتحاق بمقاعد الدراسة، تفاجأوا بامتناع ورفض قبوله تسجيله من طرف استاذة المستوى الاول الابتدائي، مبررة ذلك بكونه طفلا مكفوفا وكذا صعوبة عملية تدريسه، مضيفة أنها لم يسبق ان تلقت أي تكوين في تدريس أمثاله من ذوي الاحتياجات الخاصة.

وامام انسداد الآفاق، ظل يحيى يرافق أقرانه الى المدرسة وينتظرهم خارج أسوار القسم، ويتابع معهم الدروس  في اغلب ايام الدراسة، وهو ما خلق لديه رغبة كبيرة في التعلم كباقي الاطفال من أترابه.

وعندما انتقل اصدقاؤه الى المستوى الثاني قرر الاستاذ المكلف بتدريسهم قبوله، لكن بشكل غير رسمي، حيث لم يتم تسجيله بل سمح له فقط بالحضور في القسم كمستمع.

 ويضيف يحيى انه أنهى السنة الثانية ابتدائي كمستمع  ليمنع بعدها من الحضور الى المدرسة، مادام غير مسجل بشكل رسمي، وهو ما شكل لديه صدمة كبيرة خصوصا امام إصراره على التمدرس وحبه الكبير للدرسة، وعدم تقبله لواقع حرمانه من مقعد في المدرسة اسوة بباقي زملائه الأطفال.

ومن حسن حظ يحيى، انه اندمج كثيرا في محيطه وبين أقرانه بالرغم من  إعاقته وهو ما خفف عنه كثيرا  هذا الحرمان من الدراسة،  فكان يلعب ويمرح كباقي  أطفال القرية عكس بعض الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة في منطقته، الذين يبقون حبيسي جدران بيوتهم امام خشية اسرهم عليهم او تفاديا لنظرة المجتمع التي لا ترحم خاصة في مجتمع تسوده الأمية والجهل في تلك الفترة.

كبر يحيى وأدرك جيدا معنى ان تكون إنسانا مكفوفا في رقعة جغرافية نائية في المغرب، حيث يعاني فيها الأصحاء من التهميش والفقر فما بالك بالاشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة. وكبرت معه آمال الحصول على علاج يعيد النور إلى عينيه بعد طفوله مظلمة، لتبدأ رحلته في البحث عن العلاج. وظل يتردد على العديد من الأطباء والمختصين في امراض العيون، لكن دون جدوى خاصة أمام تضارب تشخيصات الأطباء لحالته، وكذا حالته الاجتماعية التي لم تكن تسمح له بالتنقل الى المدن الكبرى لإجراء تشخيص دقيق وما يتطلبه ذلك من مصاريف.

وأمام هذا الوضع، اضطر يحيى إلى طرق أبواب المؤسسات الحكومية المختصة بالحالات الممثاله من ذوي الاحتياجات الخاصة، للحصول على مورد رزق يمكنه من العلاج ومن العيش الكريم. فقام بارسال عدة طلبات ومراسلات كان أغلبها دون رد أو بإجابات كانت مجرد وعود لم تتحقق.

وأمام إصرار يحيى لكي يكون إنسانا منتجا في مجتمعه، راسل مختلف المؤسسات الحكومية والسلطات المحلية والاقليمية من اجل الحصول على كشك او اي عمل يمكنه من توفير أدنى ضروريات العيش الكريم، فاستبشر خيرا بعد استدعائه من طرف عمالة إقليم الرشيدية سنة 2003 ، حيث تم أخباره باستفادته من مأذونية للنقل وقام بانجاز كل الوثائق المطلوبة لذلك، وظل ينتظر لمدة طويلة دون اي استفادة فعلية منها رغم مراسلاته المتكررة واستفساراته عن مصير هذه المأذونية، إلا أنه لم كان يتلقى اجوبة غير مقنعة حيث كان رد المسؤولين كل مرة بالتحلي بالصبر والمزيد من الانتظار.

بعد المعاناة والحرمان الذي عاشه يحيى لسنوات، قرر إنشاء جمعية تعنى بالاشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة في قريته، ولعل اكبر دافع له لتأسيس “جمعية التفاؤل” هو حرصه على خدمة هذه الفئة المهمشة والمقصية والمحرومة من حقها في التعليم والصحة وفي العيش الكريم.

ويسعى يحيى من خلال هذه المبادرة، إلى تمكين الاشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة في المنطقة، خاصة الأطفال منهم، من الولوج إلى المدرسة والتمتع بحقوقهم المنصوص عليها في الدستور بعيدا عن المقاربة الإحسانية التي لا تزيد الا في نبذ وإقصاء هذه الفئة من المجتمع. ولأجل ذلك، يؤكد يحيى على ضرورة توفير فرص لهؤلاء الأشخاص لجعلهم منتجين ومندمجين في المجتمع وذلك عبر تكوينهم وتمويل مشاريعهم وتشجيع مبادراتهم بشكل يمكنهم من العيش بكرامة.

تجدد شغف يحيى وحبه للدراسة رغم كل الصعوبات والعراقيل التي يواجهها كشخص مكفوف، خاصة وانه تقدم للتسجيل بإحدى المدارس القرآنية القريبة من محل سكنه فرفضت تسجيله بمبرر عدم توفرها على فصول خاصة بالأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، فقرر على إثر ذلك الالتحاق بدور تحفيظ القرآن البعيدة عن مقر سكناه بالرغم مما يرافق ذلك من صعوبات وعراقيل خاصة وأنه شخص مكفوف، وأمضى عدة سنوات متنقلا بين عدة مدن كالناظور ووجدة ليستقر به المقام بإحدى المؤسسات بمدينة الدار البيضاء، حيث تمكن بالموازاة مع ذلك من الحصول على شهادة الدروس الابتدائية سنة2017.

رحلة البحث عن علاج خارج المغرب

وفي زيارة له لاحدى المصحات الخاصة بأمراض العيون، تمكن يحيى من الحصول على تشخيص دقيق لحالته أعادت له الأمل في ان يرى الدنيا بالوانها حيث أخبره طبيب مختص ان هناك امل في إعادة النور لعينيه من خلال إجراء عملية جراحية دقيقة في فرنسا.

عمل يحيى بعدها بكل عزم وإصرار على إنجاز ملف طبي متكامل، واعدّ طلبا للحصول على التأشيرة من أجل العلاج في احد اكبر مستشفيات باريس رغم الكلفة الباهظة اللازمة لذلك، ليتفاجآ برفض طلب تأشيرة الدخول الى فرنسا، لكن ذلك لم يثنه عن التشبه بالأمل ومواصلة البحث عن العلاج، وكانت وجهته بعد ذلك هو  أحد أكبر المستشفيات باسطنبول في تركيا، حيث تم تشخيص حالته لكن إمكانياته المادية لم تسعفه امام المبلغ الخيالي الذي تم تحديده والذي يقدر بـ135.000,00 أورو، ليعاود بعدها محاولة الحصول على تأشيرة الدخول الى فرنسا من اجل العلاج بالرغم من المصاريف التي تتطلبها.

بعد عجزه عن السفر للعلاج في الخارج، وامام الوضعية الهشة التي يعيشها قرر يحيى مواصلة مطالبته المؤسسات الحكومية والمختصة بشؤون الاشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة ، حيث تقدم بطلب تمويل مشروع الى التعاون الوطني في إطار مبادرة التماسك الاجتماعي وجدد طلباته بتوفير كشك او اي عمل يحفظ له كرامته ويوفر له سبل العيش الكريم، وراسل السلطات مرات متكررة، لكن دون اي نتيجة باستثناء الوعود والمماطلة وهو ما دفعه للقيام بعدة وقفات احتجاجية أمام مقر جهة درعة تافيلالت وكذا امام مقر ولاية الجهة لإيصال مطالبه الى المسؤولين والمنتخبين المحليين.

ورغم الصعاب التي واجهته وتواجهه، ظل يحيى متشبثا بأمل الحصول على مورد رزق  يحقق له طموحاته وآماله في العيش الكريم وفي مواصلة رحلة البحث عن العلاج.

وظل يحيى متشبتا بضرورة توفير فرص ملائمة للاشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة للمساهمة في بناء المجتمع وتغيير المقاربة الاحسانية، التي تنهجها الحكومة وبعض المؤسسات المختصة بهذه الفئة، والقطع معها لتمكين الاشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة من حقوقهم كما نص عليها الدستور وكما تنص على ذلك مختلف المعاهدات والمواثيق الدولية التي وقع عليها المغرب.

ورغم المجهودات الجبارة التي بذلها يحيى الا أن المسؤولين لايزالون مصرين على تجاهل مطالبه في العيش الكريم، وها هو اليوم، بعد أن سدت أمامه الأبواب، يتوجه الى الجمعيات والهيئات المعنية بالاشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة بطلب المساعدة والتوجيه لأجل مواصلة جهوده في العلاج ومن اجل توفير دخل قار يخرجه من معاناته وتمكينه من حياة  تحفظ له كرامته الإنسانية .